باب العمل في العشر الأواخر من رمضان
1920 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي يعفور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله
الحاشية رقم: 1
قوله : ( باب العمل في العشر الأواخر من رمضان ) وفي رواية المستملي : " في رمضان " .
قوله : ( عن أبي يعفور ) بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء ، ولأحمد عن سفيان عن أبي عبيد بن نسطاس وهو أبو يعفور المذكور واسمه عبد الرحمن ، وهو كوفي تابعي صغير ، ولهم أبو يعفور آخر تابعي كبير اسمه وقدان .
قوله : ( إذا دخل العشر ) أي : الأخير ، وصرح به في حديث علي عند ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق عاصم بن ضمرة عنه .
قوله : ( شد مئزره ) أي : اعتزل النساء ، وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري ، واستشهد بقول الشاعر :
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار
وذكر ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه ، وقال الخطابي يحتمل أن يريد به الجد في العبادة كما يقال : شددت لهذا الأمر مئزري ، أي : تشمرت له ، ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معا ، ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز ، يقول : طويل النجاد ، لطويل القامة ، وهو طويل النجاد حقيقة ، فيكون المراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وشمر للعبادة . قلت : وقد وقع في رواية عاصم بن ضمرة المذكورة : " شد مئزره واعتزل النساء " فعطفه بالواو فيتقوى الاحتمال الأول .
قوله : ( وأحيا ليله ) أي : سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه ؛ لأن النوم أخو الموت ، وأضافه إلى الليل اتساعا ؛ لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته ، وهو نحو قوله : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أي : لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور .
قوله : ( وأيقظ أهله ) أي : للصلاة ، وروى الترمذي ومحمد بن نصر من حديث زينب بنت أم سلمة : لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه قال القرطبي : ذهب بعضهم إلى أن اعتزاله النساء كان بالاعتكاف ، وفيه نظر ؛ لقوله فيه : " وأيقظ أهله " [ ص: 317 ] فإنه يشعر بأنه كان معهم في البيت ، فلو كان معتكفا لكان في المسجد ، ولم يكن معه أحد ، وفيه نظر ، فقد تقدم حديث : اعتكف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة من أزواجه " ، وعلى تقدير أنه لم يعتكف أحد منهن فيحتمل أن يوقظهن من موضعه وأن يوقظهن عندما يدخل البيت لحاجته .
( تنبيه ) : وقع في نسخة الصغاني قبل هذا الباب في آخر " باب تحري ليلة القدر " ما نصه : " قال أبو عبد الله : قال أبو نعيم : كان هبيرة مع المختار يجهز على القتلى ، قال أبو عبد الله : فلم أخرج حديث هبيرة عن علي لهذا ، ولم أخرج حديث الحسن بن عبيد الله لأن عامة حديثه مضطرب " انتهى . وأراد بحديث هبيرة ما أخرجه أحمد والترمذي من طريق أبي إسحاق السبيعي عن هبيرة بن مريم وهو بفتح الياء المثناة من تحت بوزن " عظيم " عن علي : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوقظ أهله في العشر الأخير من رمضان " وأخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى من طرق متعددة عن أبي إسحاق ، وقال الترمذي حسن صحيح ، وأراد بحديث الحسن بن عبيد الله ما أخرجه مسلم والترمذي أيضا والنسائي وابن ماجه من رواية عبد الواحد بن زياد عنه عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها " قال الترمذي بعد تخريجه : حسن غريب .
وأما قول أبي نعيم في هبيرة فمعناه أنه كان ممن أعان المختار - وهو ابن أبي عبيد الثقفي - لما غلب على الكوفة في خلافة عبد الله بن الزبير ودعا إلى الطلب بدم الحسين بن علي فأطاعه أهل الكوفة ممن كان يوالي أهل البيت ، فقتل المختار في الحرب وغيرها ممن اتهم بقتل الحسين خلائق كثيرة ، وكأن من وثق هبيرة لم يؤثر ذلك فيه عنده قدحا ؛ لأنه كان متأولا ؛ ولذلك صحح الترمذي حديثه ، وممن وثق هبيرة بياض في غالب النسخ التي اعتمدت في طبعة بولاق . ومعنى قوله : " يجهز " وهو بضم أوله وجيم وزاي : يكمل القتل . وأما الحسن بن عبيد الله فهو كوفي نخعي قدم يحيى القطان عليه الحسن بن عمرو وقال ابن معين : ثقة صالح ، ووثقه أبو حاتم والنسائي وغيرهما . وقال الدارقطني : ليس بقوي ولا يقاس بالأعمش . انتهى . وقد تفرد بهذا الحديث عن إبراهيم وتفرد به عبد الواحد بن زياد عن الحسن ولذلك استغربه الترمذي ، وأما مسلم فصحح حديثه لشواهده على عادته ، وتجنب حديث علي للمعنى الذي ذكره البخاري أو لغيره ، واستغنى البخاري عن الحديثين بما أخرجه في هذا الباب من طريق مسروق عن عائشة ، وعلى هذا فمحل الكلام المذكور أن يكون عقب حديث مسروق في هذا الباب لا قبله وكأن ذلك من بعض النساخ ، والله أعلم . وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة ، ختم الله لنا بخير آمين .
[ ص: 318 ] قوله : ( أبواب الاعتكاف ) كذا للمستملي ، وسقط لغيره إلا النسفي فإنه قال : " كتاب " وثبت له البسملة مقدمة ، وللمستملي مؤخرة . والاعتكاف لغة : لزوم الشيء وحبس النفس عليه ، وشرعا : المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة ، وليس بواجب إجماعا إلا على من نذره ، وكذا من شرع فيه فقطعه عامدا عند قوم . واختلف في اشتراط الصوم له كما سيأتي في باب مفرد ، وانفرد سويد بن غفلة باشتراط الطهارة له .
إرسال تعليق