0

نظرات في الاحتفالات برأس الســـنة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاعلم أخي المسلم ـ رحمنا الله جميعاً ـ أنّ مــن الـمصائب العظيمة التي حلّت بالمسلمين في هذا الزمان: متابعتهم غير المسلمين من اليهود والنـصـــــارى وغيرهم من أهل الملل الكافرة وتشبههم بهم، حتى تحقّق في غالبنا قول النبي:«لتتبعن سنن من كان قبلكم ، شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» [صحيح البخاري] أي: فمن أعني غيرهم!

الله أكبر إنها السـنـن، حتى أصبحنا لا نميز اليوم غالبية المنتسبين للإسلام عن غيرهم، وانقسمت هذه الغالبية إلى أقسام عديدة:

القسم الأول:

أعرض عن الدين إعراضاً تاماً، واتبع هواه وكـــان أمره فرطاً، فما عاد يعرف من الدين إلا الاسم، ولا من معالمه إلا الرسم، إما تكبراً واحتقاراً لأهله وموالاة لأعداء الدين، وإما إعراضاً عنه وانشغالاً بالدنيا وتكالباً على حطامها الـفـانـي، وهـــؤلاء كـثـــرٌ، وهم محسوبون على الإسلام بأسمائهم وأنسابهم، والله المستعان.

القسم الثاني:

وجد أن نفسه لا تطيق الثبات والتمسك بهذا الدين الذي كان عليه القرن الأول مــن صـحـابــــة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك الإلتزام بالوحيين والعض على السنة النبوية بالنواجذ، وفيه مرارة قـول الحق والصبر عليه، ولما لم يقدروا أن يفعلوا ذلك حاولوا أن يجمعوا بين الإسلام وغـيـره لـيـخـرجوا لنا إسلاماً عصرياً، ليوافق بذلك أهواء الذين لا يعلمون ويرضيهم، فذهبوا يلوون أعناق الآيات والأحاديث ويحملونها على غير محملها، ويتشبهون بأصحاب الجحيم من الـيـهـــود والنصارى والمجوس في غالب ما يفعلونه من عاداتهم وهيئاتهم ومعايشهم، وهؤلاء أيضاً كثر، ولا نشك أنهم من ذلك الغثاء الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غـثــاء كغثاء السيل» [صحيح أبي داود] حتى ولو كان كثير منهم يظهر بقالب الإسلام الظاهري، وربما بمظـهــر الدعوة والحرص على مصلحتها ومصلحة الدين، إلا أنهم يستنّون بغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهديهم مغاير لهديه، وأحسب أنهم ليسوا ممن ينتصر الدين بهم، وإن كثروا وامتلأت أقطار الدنيا بأمثالهم.

وقسم ثالث:

وهـم الـذيـن هداهم الله إلى الحق وثبت أقدامهم، فلزمـوا كتاب الله ـ عز وجل ـ وما تركهم عليه رســــول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، لا يفارقونه ولا يبدلونه حتى يلقـــــوه صلى الله عليه وسلم على حوضه، وهؤلاء هم أهل الحق والطائفة المنصورة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» [صحيح مسلم] جـعلنا الله منهم فهم أهل الفوز والفلاح، وهم أبعد الناس من التشبه بالكفار، فهم المعتزون بدينهم العظيم، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

والـقـسـم الأول:

ـ أعـاذنــــــا الله منهم ـ هم أهل الخسار والندامة، وأهل الذلة والمهانة، يعيشون بضنك، ويحشرون عمياً، ومآلهم إلى سقر إن لم يبادروا بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله وتجديد الإيمان.

أما القسم الثاني:

فهم الذين أردنا أن نذكرهم بهذه الرسالة، وندعوهم إلى العودة إلى الله ـ تعالى ـ واتباع صراطه الـمـسـتـقـيــم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولـئـك رفـيـقــــاً، ونحذرهم من اتباع الأهواء والتشبه بغير المسلمين، ذلك أن أكثر هؤلاء إنما يتبعونهم عن جهل وقلة بصيرة وضعف في الإيمان، ولا يجدون من يدلهم على الحق أو يهديهم إلى سبيل الرشاد.

ومن التشبه بالكفار الذي نحن في صدده: الاحـتـفـــــال بــرأس السنة أو ما يسمونه (بالكريسماس)!!!

ففي هذا اليوم يحتفل النصارى الذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم: {لَقَدْ كَفَرَ الَذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17]. وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: 73]. يحتفلون بهذه المناسبة، ويفترون فيه زوراً وبهتاناً على المسيح ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو منهم براء، حيث يُحدِثون في هذا العيد من الفواحش والمنكرات ما لا يمت بأي صلة إلى شريعة عيسى أو غيره من الأنبياء ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وتقام السهرات والحفلات المختلطة التي يتخللها الرقص والغناء وشرب الخمر في كثير من الأحيان.. إلى غير ذلك ممـا يحـدث فيها مـن المنكـرات التي لا يتسـع المقام لعدهـا. وكل ذلك ـ بزعمهم ـ احتفال بالمسيح وذكرى ميلاده، والمسيح بريء من كل ذلك به لا يقرّه ولا يرضاه.

وناهيك إشهارهم لعقائدهم الباطلة من إدعاء الألوهية لعيسى ـ عليه السلام ـ الذي سوف يتبرأ منهم أمام الخلائق كلها يوم القيامة حين يسأله ـ تعالى ـ عن ذلك قائلاً: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 116-117].

وهذه الافتراءات الباطلة والعقائد الزائفة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، تنفر منها النفوس الصحيحة والفطر السليمة وحتى الجمادات كالأرض والسماوات والجبال الصم الصلاب، قال تعالى واصفاً ذلك الموقف: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إداً (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَداً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً} [مريم: 88-95].

فالعجب العجاب من جهال زماننا المنتسبين للإسلام، الذين ذهبوا يتابعون اليهود والنصارى في كل صغيرة وكبيرة، حتى في هذه المناسبات الفاسدة، ويزعمون بجهلهم أن التقدم والحضارة يُلتَمسان في متابعة اليهود والنصارى في كل شيء، وما ذلك إلا لجهلهم بدينهم، مصدر عزتهم، حتى سيطر عليهم مركّب النقص والذلّة، فغدوا إمّعات، يلهثون وراءهم ويتابعونهم كالعميان في كل شيء، مع العلم أن من أصول ديننا العظيم، مخالفة كل من انحرف عن شريعة الله ـ عز وجل ـ في كل ما يقدر عليه المسلم من شرائعهم وعاداتهم وأعيادهم، بل وملابسهم وطرق أكلهم وكلامهم وهيئاتهم.

وإليكم قليلاً من الأدلة الكثيرة على ذلك، لنكون على بينة وبصيرة من ديننا العظيم في زمان يعز فيه الناصحون:

1- قال الله تعالى ـ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18]، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :- ثم جعل محمداً صلى الله عـلـيــه وسلم على شريعة شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته.

2- قال الله تعالـى: {وَلـَـئِــنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إنَّكَ إذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:145]. ويقـول تعالى عن اليهود والنصارى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِـنَ اللَّهِ مِــــن وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد:37]. يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره هذه الآية: "وهذا وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة بعد ما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية والمـحـجـــــــة المحمدية ـ على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام -"، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ففيه دلالة على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة".

2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» [صححه ابن حيان] والحديث فيه وعيد شديد على التشبه بغير المسلمين، فمن تشبه بالأتقياء والصالحين فهو منهم، ومن تشبه باليهود والنصارى وغيرهـم مــن الكـفــــار فهـو منهـم ـ والعياذ بالله ـ. يقـول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في شرح هــــذا الحديث: "ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ولباسهم وأعيادهم وعبادتهم وغير ذلك من أمورهـــم التي لم تشــــرع لنا ولا نقر عليها".

4- وقال صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا، وإن عيدنا اليوم» [صحيح البخاري] وعندما قــــدم النبي - صلى الله عليه وسلم- المدينة «كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيها فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى» [رواه النسائي وصححه الألباني].

5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى - إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله ـ سبحانه ـ: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67]، كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقه في الكـفـر، والموافقة في بعض فروعه، موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تـتـمـيـز بـــــه الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.

وبعد:

فإن الأدلة في هذه المسألة كثيرة جداً لا يتسع لها هذا المقال، والذي يريد التفصيل فليراجع الكتاب القيم لشيخ الإسلام ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) وهو كتاب عظيم جدير بالقراءة.

وما ذكرناه من الأدلة، كفـايـة لطالب الحق ليعلم الضلال والانحراف الذي عليه كثير من الناس في تشبههم بالكفار وتركهم سنة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم.

وختاماً:

فإن الله قد أمرنا بمـخـالـفــة الكفار لحكمة جليلة وعظيمة، منها:

كي لا تدخل محبة هؤلاء إلى قلوب المسلمين، فهم أعـــــداء الله وأعداء المسلمين، والتوافق والتشابه في الأمور يولد التآلف والتقارب، ومن ثم الود والحب.

وقد نفى الله ـ عز وجل ـ الإيمان عمن أحب أعداءه المنحرفين عن شرعه فقال ـ تعالى ـ: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..} [المجادلة: 22].

وهـذا لا ينافي العـدل معهـم وحسـن معاملتهـم ما لم يكونـوا محاربين. قال تعالى ـ: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}. [الممتحنة: 8].

ونسأل الله أن يجعلـنــا ممن يحب من يحبه، ويعادي من يعاديه، ويوالي من يواليه، إنه نعم المولى ونعم النصير.

موقع الربانية

إرسال تعليق

 
Top