رسالة مهمة:
هناك غاية
محددة لوجود الجن والإنس، تتمثل في أداء مهمة سامية، من قام بها، فقد
حقق غاية وجوده، ومن قصَّر فيها، باتت حياته فارغة من القصد، خاوية من
معناها الأصيل.
هذه الغاية المحددة: هي عبادة الله وحده، كما شرع لعباده أن يعبدوه،
ولا تستقيم حياة العبد كلها، إلا على ضوء هذه المهمة والغاية.قال -
تعالى -: {وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ
}
والدعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - من أفضل الأعمال،
وأقرب القربات، وأوجب الواجبات،
وعد القائمين بها أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلاً في
الدنيا والآخرة، بل إن الله - جل وعلا - جعلها شعارًا لأتباع الرسل.
ولقد كان هؤلاء وهم خيار عِباد الله - تعالى - يهتمون بالدعوة أبلغ
الاهتمام، وهكذا حال من سلك دربهم من صالحي الأمة ومصلحيها، وهذا
الاهتمام الملحوظ يرجع لأسباب؛ منها:
(1)
أن الله - تعالى - أعلا منزلة الدعاة؛ حيث قال - تعالى
-:
{وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا
وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت: 33].
(2)
دعاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمن بلَّغ قوله
إلى غيره؛ حيث يقول:
((نضَّر
الله امرأً سمع مقالتي فبلغَّها؛ فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورُبَّ
حامل فقه إلى من هو أفقه منه))
، ومعنى نضَّر
الله: هذا دعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة.
(3)
الحرص على هداية الناس له فضل عظيم، قال رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم –
((فو الله
لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا، خير لك من حُمر النعم)) .
و: قال
رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم
-: ((من
دلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله))
وحينما ننظر
إلى سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم نجده ؛يدعوا من أحبوه ومن
أبغضوه، ومن استمع إليه، ومن أعرض عنه، بل يوجه دعوته إلى من آذاه؛ لأن
الدعوة تكليف من الله لا بد من القيام كسائر التكاليف الشرعية.
ولم يخص - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكانًا دون غيره للدعوة؛ بل كان
يدعو في المسجد، والطريق، والسوق، والحضر، والسفر، بل وحتى في المقبرة،
وعلى رأس الجبل لم يترك الدعوة.
وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغل المواسم وأماكن تجمع الناس؛
ليكون ذلك أبلغ في دعوته، ولتصل أكبر عدد من الناس، واستمر - صلَّى
الله عليه وسلَّم - في أداء هذه المهمة الجليلة مشمرًا عن ساعديه،
باذلاً كل ما في وسعه، مستخدمًا كل وسيلة متاحة، متحملاً كل أذى في
سبيل إبلاغ الدعوة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وقد امتلأت سيرته وفاضت بالمواقف الدعوية الرائدة التي
تتمثل فيه القدوة العملية للدعاة والعلماء والمصلحين،
وسبيله في ذلك ومنطلقه وقاعدته العريضة: {ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
[النحل:125].
أسأل الله بمنه وكرمه أن يحقق المقصود، وأن ينفع به، وأن يجعله ذخرًا
لي ووالديّ وذُريتي، وأن يكون من العلم النافع الذي ينتفع به في الحياة
وبعد الممات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
( باختصار)
|
إرسال تعليق