الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإن ذِكر الله ودعاءه وتعظيمه وتمجيده والثناء عليه من أجلِّ القربات وأفضل
الطاعات، وهو من أيسر ما يكون على الإنسان؛ لأن اللسان متحرك ولا بد،
وتحريكه بذكر الله ودعائه فيه حفظ اللسان مما لا ينبغي وشغله بما تعود
فائدته وثمرته على المسلم في دنياه وأخراه، وقد جاء في القرآن الكريم
والسنة الصحيحة الحث عليه والترغيب فيه، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴿٤١﴾ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [سورة الأحزاب: 42]، وقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [سورة البقرة: 152]، وختم الصفات العشر التي أعدَّ الله لأهلها المغفرة والأجر العظيم بقوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [سورة الأحزاب: 35]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمد، سبحان الله العظيم» [رواه البخاري (7563) ومسلم (6846)]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثل الذي يَذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت»
[رواه البخاري (6407) عن أبي موسى رضي الله عنه]، ورواه مسلم (1823) بلفظ:
«مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يُذكر الله فيه مثل الحي
والميت»، وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير
أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب
والورِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟
قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى» [رواه الترمذي (3377) وغيره
بإسناد صحيح، وروى الترمذي (3375) وغيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن بسر
رضي الله عنه: أن رجلاً قال: "يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي
فأخبرني بشيء أتشبث به"، قال: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله»،
والمراد بالشرائع النوافل؛ لأن الفرائض يجب على كل مسلم الأخذ بها، وذكر
الله ودعاؤه يكون سراً وجهراً خوفاً وطمعاً بحضور قلب، ولا يكون بغناء
المغنين.
وأما ما نشر في صحيفة المدينة الصادرة في 12/5/1430هـ ــ ملحق الرسالة ــ
من تنويه وإشادة بما جرى بين الشيخ عائض القرني وأحد المغنين من اتفاق على
أن يغني له قصيدته ((الواحد الأحد)) فما كان ينبغي ذلك، وكان ينبغي له
الاكتفاء بإنشادها على الوجه المعروف عند المسلمين منذ زمن النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وأما الغناء بما فيه ذكر الله مع التلحين
والتطريب والتمايل والاهتزاز والإتيان بما فيه عشق الأصوات والطرب لها كما
هو شأن المغنين فهو من الأمور الحادثة سواءً صحبه آلات عزف أو كان بدونها،
وفيه من المحاذير ما يلي:
(1): أن الغناء بذكر الله على طريقة المغنين لا يَسْلم من الامتهان له.
(2): ما فيه من اتجاه من لا يسمع الأغاني إلى سماع هذا النوع من الأغاني، فيسهل عليه أمر الغناء وسماعه بإطلاق.
(3): أن يؤول الأمر إلى تسمية هذا النوع أغاني إسلامية كما وُصفت من قبل
بعض الأناشيد التي فتن بها كثير من الشباب بأنها أناشيد إسلامية!!
(4): أن هذا العمل ليس من الجد بذكر الله، بل هو من لهو الحديث وأشبه ما يكون بالهزل فيه.
(5): أن الدعوة إلى الله لا تكون بالغناء والطرب له، وإنما تكون بنور الوحيين وهو ما كان عليه سلف الأمة.
(6): ما جاء في خبر الصحيفة من رصد مليون ريال جائزةً لمن يأتي بقصيدة
تجاري قصيدة ((الواحد الأحد))، إن كان المقصود من هذه القصيدة المجارية
لتلك القصيدة تقديمها للمغنين للغناء بها فيكون ذلك من قبيل اتباع سنة غير
حسنة، وأما ما جاء في الخبر من وصف رصد مبلغ مليون ريال جائزةً مخصصةً
لمجارة قصيدة ((الواحد الأحد)) بأنها الجائزة التي تُرصد لأول مرة في تاريخ
البشرية للثناء على الباري سبحانه وتعالى فهي مبالغة مبالغ فيها، ومَن مِن
الناس أحاط بتاريخ البشرية ليظهر له خلوُّه من ذلك؟
(7): مرَّ في الحديث: «مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يُذكر الله فيه مثل الحي والميت»، فمن أي البيتين يكون البيت الذي يُسمع فيه الغناء بقصيدة ((الواحد الأحد)) إن تم الغناء بها؟! وعسى ألا يتم.
(8): أن غناء المغنين بما فيه ذكر الله والتطريب به وهو من أمراض الشهوات
شبيه بغناء الصوفية بالذكر وسماعهم الذي هو من أمراض الشبهات، وهما جميعاً
من الباطل ومجانبان للصواب.
والمأمول من الشيخ عائض عدوله ــ إن لم يكن عدل من قبل ــ عن هذه الفكرة
التي عرضت له عند التقائه بالمغني اتفاقاً في رحلة في الطائرة؛ ليسلم من
سنِّ سنة سيئة يكون عليه إثمها وأثم من عمل بها من بعده، وأن يكون منهجه
ومنهج غيره من الدعاة في الدعوة إلى الله موافقاً لما كان عليه سلف الأمة،
وكان عليه عند هذا اللقاء العارض في الطائرة أن ينصح هذا المغني بترك
الغناء والابتعاد عنه، وعلى هذا المغني وغيره من المغنين ترك ما هم عليه من
الغناء الذي لا يفيدهم في قبورهم شيئاً، ويُخشى عليهم من آثاره السيئة وقد
قال صلى الله عليه وسلم: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» [رواه مسلم (2822) عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين ويهديهم سبل السلام وأن يرينا
جميعاً الحق حقاً ويوفقنا لاتباعه، والباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه، إنه
سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
إرسال تعليق