الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما،،،
وبعد:
فالبدعة أحب إلى إبليس من المعصية، وذاك لغلظ نجاستها وضررها؛ فضررها عام
على الأمة، بخلاف المعصية فإنها لا تضر إلا صاحبها، ولأن صاحبها لا يتوب
منها إلا ما شاء الله تعالى.
وأخطر البدع ما كان مكفرًا مخرجًا للإنسان من الملة، وماكان علميًا
اعتقاديًا، فإنه يفسد على الإنسان نظام حياته كلها، وذلك كبدع الفرق
الاعتقادية من الخوارج والرافضة والقدرية والجهمية والمعتزلة، التي تحزبت
على أصل بدعي أخرجها عن دائرة السنة والجماعة.
وهذه الفرق التي كانت في قديم الزمان، لازال لأكثرها وجود وحضور في الساحة
الفكرية في هذا الزمان، بالإضافة إلى الكثير من الآراء المحدثة في هذا
الزمان، من الشيوعية والاشتراكية والعلمانية وغيرها، سواء تحزب أصحابها
لبعضهم البعض، أم بقوا أوزاعًا متفرقين بالأبدان، متعاونين متعاضدين في
الأفكار.
من مفاسد البدع وأضرارها:
وهي كثيرة ومتعددة وبعضها شر من بعض، فمنها:
1- أن البدع تغير الدين وتبدله، والدين قد أكمله الله وأتمه، كما قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3]
فالمستحسن للبدع يلزمه أن يكون الشرع عنده لم يكمل إلا بزيادته؟!!
2- البدع تفرق المسلمين، وتجعلهم جماعات متناحرة، وربما متقاتلة، كما قال ربنا سبحانه: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32].
3- البدع تضعف الأخذ بالسنن والعبادات المشروعة، كما قال بعض السلف: "ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع عنهم من السنة مثلها".
ولأن الانسان له طاقة وجهد ووقت، فإذا أنفقها في البدع والمحدثات، لم يبق له وقت للعمل بالدين والسنن.
4 - إن احتجر التوبة عنه حتى يتوب من بدعته، كما صح في الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب - انظر الصحيحة 1620.
والمبتدع يظن أنه على الحق وغيره على الباطل، كما قال تعالى:{قُلْ
هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 103-104].
ولذا يصر على بدعته ولا يتوب منها!
5 - يخشى عليه الفتنة والعذاب، كما قال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
6- اسوداد وجهه في الآخرة، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة".
7 - يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّ
الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152].
قال الشاطبي: "قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152]
فهو عموم فيهم وفيمن أشبههم، من حيث كانت البدع كلها افتراء على الله". الاعتصام (1/166).
8 - أن على صاحبها إثم من عمل بها إلى يوم القيامة، قال تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25].
وللأسف الشديد: أن البدع والأفكار البدعية المنحرفة تجد في هذه الأيام من
يروِّج لها في وسائل الإعلام المختلفة، بل ربما امتلكوها بالكامل!!
وقد تسلطت على المسلمين بنشر وبث ما يضرهم –غالبًا- وترك ما فيه منفعتهم وصلاحهم من الدين القويم والسنن المأثورة.
وقد تكلم كثير من العلماء والأئمة وطلبة العلم قديمًا وحديثًا في الرد على
أمثال هؤلاء، بالتأليف والكتابة، لرد شبههم ومقارعتهم الحجة بالحجة.
* الانحرافات البدعية إنما تكون – في الغالب – من باب الشبهات، والشبهات
أمراض معدية يجب التوقي من الإصابة بها باجتناب أصحابها ومجالسهم وحلقهم فـ
" القلوب ضعيفة والشُبَه خطافة ".
فالواجب على المسلم السني ألا يجعل من قلبه مسكنًا للشبهات، ولا استراحة لها، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم رحمهم االله ناصحاً:
" لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا
بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها،
فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشْربتَ قلبك كل شبهة تمر عليك
صار مقرًا للشبهات أو كما قال".
ثم ليُعْلم أن هذه الأضرار غير مختصة بأحد دون أحد، بل هي متناولة لمن كمُل علمه واستنارت بصيرته، ولمن كان دون ذلك.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع بالدجال فليَنأَ عنه، فوالله إنّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به الشبهات» رواه الامام أحمد وأبوداود .
وهذا عام للجميع، ولا ينبغي التهاون فيها.
* من الفرق المنحرفة: الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وأشباههم، المحرفين
لصفات الله تعالى وأسمائه الحسنى، فيحرفون ما ورد في القرآن والسنة النبوية
من الأسماء والصفات، ويغيرون المعاني الصحيحة لها وينكرونها ويضعون بدلاً
منها معانٍ باطلة، لا يدل عليها الكتاب والسنة، ولا يعرفها سلف الأمة
الماضين، والأئمة المهديين.
ومن الفرق الصوفية القبورية، التي تدعو إلى الاستغاثة بالقبور وأهلها،
وسؤالهم الحاجات، وتفريج الكربات، والذبح لهم، والنذر لهم والحلف بهم،
ونحوها من الأمور الشركية.
ومن الفرق الضالة: الخوارج.
الذين يكفرون المسلمين، ويستحلون دمائهم، ويخرجون على ولاة الأمور.
وهاهم ينشطون من جديد!! ويخرجون على الناس فيعيثون في الأرض الفساد، قتلاً
وتخريبًا، وتدميرًا وتشريدًا، لايرقبون في مؤمن ولا مؤمنة صغيرًا كان أو
كبيرًا، طفلاً كان أو شيخًا، إلاًّ ولا ذمة، شعارهم: علي وعلى أعدائي، مهما
كان الثمن، وأياًّ كانت الخسائر، ولاحول ولاقوة إلا بالله!
وإنا لله وإنا إليه راجعون!
1-تنبئه صلى الله عليه وسلم بظهورهم:
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج
في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول
الناس، يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم
من الرمية، فمن لقيهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجر عند الله لمن قتلهم» رواه الشيخان واللفظ لابن ماجة.
وفي رواية «شر قتلى تحت أديم السماء ، خير قتلى من قتلوه».
2- إخباره بتكرر خروجهم، وبقطع دابرهم كلما خرجوا :
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينشأ نشء يقرءون القرآن لايجاوز تراقيهم ، كلما خرج قرن قطع».
قال ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عراضهم الدجال». رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
قوله: «نشء» يريد جماعة أحداثًا.
وقوله: «كلما خرج قرن» أي: ظهرت طائفة.
وقوله: «قطع» أي: حصل له ذلك، أو استحق أن يقطع.
والأيام شاهدة بذلك، ولله الأمر من قبل ومن بعد،،،
فاللهم احفظنا وأهلنا وأبناءنا وأحبابنا وإخواننا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين
ولا تشمت بنا عدوًا ولا حاسدًا، نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك...
إرسال تعليق